اليوم الثلاثاء 29/12/2020 وقعت تركيا وبريطانيا اتفاقية حرة للتجارة بينهما، تأتي هذه الإتفاقية تتويجاً لأشهر من الحوارات حولها، وتكمن أهميتها في سياقها السياسي الذي يأتي بعد أيام من توصل الاتحاد الأوروبي وبريطانيا إلى اتفاق تجاري لمرحلة ما بعد “بريكست”
فبعد أيام من توصل الاتحاد الأوروبي وبريطانيا إلى اتفاق تجاري لمرحلة ما بعد “بريكست” عقب محاولات عديدة سابقة انتهت بالجمود، تفتح الأخيرة صفحة جديدة في علاقاتها التجارية والاقتصادية بعيداً عن التكتل الأوروبي ومواقفه.
وكانت أولى وجهات بريطانيا بعد خروجها من الاتحاد تركيا، إذ وقعت الدولتين، اليوم الثلاثاء، اتفاقاً تجارياً حراً يهدف إلى زيادة العلاقات التجارية بناء على مبدأ الربح المتبادل، في أهم اتفاقية لأنقرة بعد اتفاقية الإتحاد الجمركي مع الاتحاد الأوروبي.
أهمية هذه الاتفاقية، التي تأتي في إطار تعزيز العلاقات بين البلدين الشريكين في حلف الناتو، تكمن في سياقها السياسي، إذ يتخذ البلدان المسافة ذاتها من الاتحاد الأوروبي، كما تعكس الاتفاقية متانة العلاقات بين أنقرة ولندن التي اتسمت بالاتزان من الطرفين رغم الضغوط الأوروبية.
أنقرة ولندن في نفس الخندق
التوصل إلى اتفاقية بين تركيا وبريطانيا يعكس الالتقاء الموضوعي بين أنقرة ولندن في نسج علاقات متشابكة مع الاتحاد الأوروبي، أو ما يمكن تسميته بالخندق الواحد أمام أوروبا.
فبريطانيا، ومنذ عقود، غير راضية عن وجودها داخل الاتحاد الأوروبي، وترى أن الأخير ينهك اقتصادها، أما تركيا فهي تعيش توترات دائمة مع التكتل الأوروبي الذي يبني علاقاته الاقتصادية على أساس السياسة في كثير الأحيان.
هذه العلاقة المرتبكة مع الاتحاد الأوروبي دفعت تركيا إلى إعلان تحررها منه أكثر ما يمكن، والتوجه نحو شراكات جديدة قوية مثل الصين، أما المملكة المتحدة فقررت الانسحاب منه في خطوة جديدة لنسج علاقات متحررة من التكتل كذلك.
قد يهمك أيضا: في أول رحلة له قطار التصدير التركي العابر للقارات يصل الصين.
تلتئم مصالح بريطانيا وتركيا، إذ بات كلاهما يبحث عن مصالحه خارج الاتحاد، ويسعى لتعزيز موقعه دون الحاجة إلى الوجود داخل مؤسسات الاتحاد الأوروبي.
ولطالما كانت بريطانيا من الدول الأوروبية المؤيدة لانضمام تركيا للاتحاد الأوروبي، ولم يسبق أن سجلت رفضها لهذه الخطوة، على عكس دول أوروبية أخرى لا تدخر جهداً في إعلان المعارضة لدخول تركيا النادي الأوروبي.
وكانت سنة 2016 فارقة أيضاً في تاريخ المملكة المتحدة، بعد التصويت على استفتاء الخروج من الاتحاد الأوروبي، ورغم دخول البلاد في متاهات كثيرة حول صيغة الطلاق الأوروبي، فإن هذا التغيير ساهم في بحث بريطانيا عن شركاء جدد.
وبريطانيا التي تريد زيادة أصدقائها، انتهجت مع تركيا منذ سنوات مبدأ “حسن التعامل مع أنقرة وعدم التدخل في شؤونها الداخلية”.
ولعل هذا سبب غضب دول أوروبية حاولت الضغط من خلال مراكز الأبحاث لدفع لندن إلى إعلان مواقف تصعيدية مع أنقرة، كما حدث في الأزمة الأخيرة في شرق البحر المتوسط بين تركيا واليونان، حيث ابتعدت بريطانيا عن اللهجة التصعيدية التي اعتمدتها الدول الأوروبية، وحافظت على مسافة من هذا الصراع.
جدير بالذكر أنه في سنة 2020 استقبلت العاصمة البريطانية لندن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في زيارة رسمية، أعقبتها زيارة أخرى لوزير الخارجية التركي مولود جاوش أوغلو.
تركيا والمملكة المتحدة, علاقات متينة
شكل الانقلاب الفاشل في تركيا سنة 2016 حدثاً مهماً مكنها من معرفة أصدقائها وأعدائها، وهو ما انفك الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في أكثر من مناسبة يذكر به، ومن هذه الدول التي تعتبرها أنقرة صديقة هي المملكة المتحدة التي كانت أول دولة أوروبية تعلن إدانتها للمحاولة الانقلابية، وتعدها انقلاباً على الشرعية. حيث لم تنتظر الحكومة البريطانية، مثل دول أخرى، انتهاء المواجهات في ليلة الانقلاب لتحدد موقفها، بل أعلنت مباشرة أنها تقف ضده، وهو ما ساهم في توثيق التعاون مع تركيا، ولم يتم تسجيل أي مواجهة دبلوماسية بين البلدين منذ تلك الأزمة، رغم توالي الأحداث التي هزت الثقة في العلاقات الأوروبية التركية.
كما عكست أزمة كورونا متانة هذه العلاقات، فكانت عبارة “شكراً ًللصديق التركي” التي صدرت عن الدبلوماسية البريطانية خلال الوباء، معبرة عن التعاون بين البلدين.
ومرد هذا الشكر هو قرار تركيا توجيه شحنة ضخمة من المعدات الطبية إلى المملكة المتحدة، التي كانت حينها تواجه نقصاً حاداً في المعدات الطبية.
وكان للطائرات التركية التي وصلت إلى بريطانيا أثرا إيجابيا على صعيد الإعلام البريطاني الذي اعتبر السلوك التركي سلوكاً محترماً، في وقت كانت الدول الأوروبية تتنافس وتتنازع للحصول على أكبر قدر من المعدات الطبية.
اقرأ أيضا:تفاصيل الحصول على الجنسية التركية بعد شراء منزل في تركيا.